الجمعة، 4 فبراير 2011

النية ومجالاتها في الفقه الإسلامي

الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.

فإن النية لها دور كبير في الإسلام ،فهي تميز العبادة عن العادة ،ولما كان لها هذا الدور الكبير والأثر الخطير أحببت أن أكتب بحثا يتناول بعض مجالات النية في الفقه الإسلامي في النقاط الآتية :
أولا:معناها لغة :مطلق القصد .وشرعا : قرن الشيء مقترنا بأول فعله (1)
ثانياً:حكمها :النية واجبة في الطهارة من الغسل والوضوء والتيمم عند كافة العلماء ،فلا تصح طهارة إلا بنية . لقول النبي – صلى الله عليه وسلم –( إنما الأعمال بالنيات ، ....) (2) وقال أبو حنيفة :لا يفتقر شيء من ذلك إلى النية إلا التيمم ، فإنه لابد فيه من النية ،ومحل النية القلب ،والكمال أن ينطق بلسانه بما نواه بقلبه .وقال مالك : يكره النطق باللسان ،ولو اقتصر على النية بقلبه أجزأ بالاتفاق بخلاف عكسه (3)
ثالثا : أقوال الفقهاء فيها :
1-النية واجبة عند الجمهور في الطهارة من الغسل والوضوء والتيمم .
2وقال أبو حنيفة : لايفتقر شيء من ذلك إلى النية إلا التيمم ، كما مر آنفا.
رابعاً: دليل مشروعية النية :
1-      من القرآن الكريم : (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) (4)
2-      من السنة قول النبي –صلى الله عليه وسلم –(إنما الأعمال بالنيات ) (5)
خامسا :الحكمة من مشروعية النية :تميز العبادات من العادات ،وتميز رتب العبادات بعضها من بعض (6)
سادساً : قاعدة : المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات كما هي معتبرة في القربات والعبادات .
هذه القاعدة أوردها ابن القيم في أعلام الموقعين ، وذكر أن القصد يجعل الشيء حلالا أو حراماً ،وصحيحاً أو فاسداً،وطاعة أو معصية ،كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة  أو محرمة ، أو صحيحة، أو فاسدة ،ودلائل هذه القاعدة تفوت الحصر ، فمنها قوله تعالى : في حق الأزواج إذا طلقوا أزواجهم طلاقاً رجعياً  
1)      ينظر :المصباح المنير2/868مادة نوى الفيومي دار القلم بيروت ، ورحمة الأمة باختلاف الأئمة ص46
2)      أخرجه البخاري ومسلم برقم برقم(1907)
3)      رحمة الأمة ص46
4)      سبق تخريجه ص1
5)      ينظر /القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه د/محمد بكر إسماعيل ص32

:(وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً)(1)وقوله تعالى:( ولا تمسكوهن  ضراراً لتعتدوا )(2)  وذلك نص في الرجعة إنما ملكها الله تعالى لمن قصد الصلاح دون من قصد الضرار. وقوله  تعالى في الخلع   (فإن خفتم أن لايقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به)(3)وقوله تعلى :(فإن طلقها فلاجناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله)(4)فبين تعالى أن الخلع المأذون فيه والنكاح المأذون فيه إنما يباح إذا ظنا أن يقيما حدود الله .وقال تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار)(5)إنما قدم الله الوصية على الميراث إذا لم يقصد بها الموصي الضرار، فإن قصده فللورثة إبطالها وعدم  تنفيذها .(6)
يقول د/محمد بكر إسماعيل :وقد ضرب ابن القيم لهذه القاعدة أمثلة كثيرة ننقلها عنه هنا بتصرف يسير .
1-ذبح الحيوان بنية الأكل يحل ،  ويحرم إذا ذبح  لغير  الله تعالى.
2-غير المحرم بحج أو عمرة إن صاد الصيد لمحرم حرم على المحرم أكله، وإن صاده لغير المحرم جاز للمحرم أن يأكل منه .
3إن أقرض رجل رجلاً درهماً من الفضة لأجل، كان ذلك قربة من القربات ،وإن باعه درهماً بدرهم لأجل كان ذلك معصية باطلة بهذا القصد، لأن النبي –صلى الله عليه وسلم – نهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة إلا مثلا بمثل ويداً بيد .
4-وكذلك عصر العنب بنية أن يكون خمراً لم يجز بخلاف ما لونوى خلاً أو شراباً غير متخمر.
5-وكذلك السلاح يبيعه الرجل لمن يعرف أه يقتل به مسلماً حرام باطل لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان ،وإذا باعه لمن يعرف أنه يجاهد في سبيل الله فهو طاعة وقربة.
6-وكذلك قول الرجل لامرأته (أنت عندي مثل أمي ) إن نوى بها الظهار حرمت ، وإن نوى بها التكريم لاتحرم عليه.
7-وكذلك الرجل يقضي عن أخيه ديناً إن نوى به التبرع لايجوز له أن يطالبه بما دفعه له في سداد دينه ، وإن لم يقصد به التبرع كان له الحق في المطالبة به إن كان المدين قد أذن له في السداد.
ثم يقول ابن القيم –رحمه الله تعالى – وهذه كما أنها أحكام الرب تعالى في العقود فهي أحكامه تعالى في العبادات والمثوبات والعقوبات ،فق اطردت سنته بذلك في شرعه وقدره ، أما العبادات فتأثير النيات في صحتها وفسادها أظهر من أن يحتاج إلى ذكر،فإن القربات كلها مبناها على النيات  ،ولايكون الفعل عبادة إلا بالنية والقصد ،مثل
1-لو وقع في الماء ولم ينوي الغسل أو دخل الحمام للتنظيف ، أو مسح للتبرد لم يكن غسله قربة ولاعبادة بالاتفاق
2-لوأمسك عن المفطرات عادة واشتغالاً ولم ينوي القربة لم يكن صائما
3-لو دار حول البيت يلتمس شيئاً سقط منه لم يكن طائفاً .
4-لو أعطى الفقير هبة أوهدية ولم ينوي الزكاة لم يحسب زكاة .
5-لو جلس في المسجد ولم ينو الاعتكاف لم يحصل له .


1-ينظر : القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه د/محمد بكر إسماعيل ص44

سابعاً: قاعدة الأمور بمقاصدها:
الأصل في هذه القاعدة : قول النبي –صلى الله عليه وسلم –(إنما الأعمال بالنيات )(1)     وهذا حديث صحيح مشهور ، أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب –رضي الله عنه -.وفي الصحيح أيضاً من حديث سعد بن أبي وقاص: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها حتى ما تجعل في امرأتك)(2) ومن حديث ابن عباس –رضي الله عنهما :(لاهجرة بعد الفتح ،ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم  فانفروا)(3) وقد تواتر  النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية.
قال أبو عبيدة : ليس في أخبار النبي – صلى الله عليه وسلم –شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه .
واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل ، وابن مهدي ، وابن المديني ، وأبو داود، والدارقطني، وغيرهم على أنه ثلث العلم : بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه .فالنية أحد أقسامها كالثلاثة وأرجحها ،لأنها قد تكون عبادة مستقلة ، وغيرها يحتاج إليها .(4)   ومن ثم ورد (نية المرء خير من عمله ) (5)
            وتدخل النية في ربع العبادات بكماله : كالوضوء،والغسل فرضاً ونفلاً ، ومسح الخف في مسألة الجرموق(خف صغير يلبس فوق الخف) إذا مسح الأ على وهو ضعيف فينزل البلل إلى الأسفل ، والتيمم، وإزالة النجاسة على رأي،و
غسل الميت على رأي والأواني في مسألة الضبة بقصد الزينة  أو غيرها .
والصلاة بأنواعها :فرض عين وكفاية ،وراتبة وسنة ،ونفلا مطلقاً ،والقصر ، والجمع ، والإمامة ، والاقتداء، وسجود التلاوة والشكر ،وخطبة على أحد الوجهين ، والأذان على رأي .وأداء الزكاة واستعمال الحلي أو كنزه، والتجارة ،وسائر القرب،...وكذلك نشر العلم تعليماً وإفتاءً وتصنيفاً، والحكم بين الناس ...بل يسري ذلك إلى سائر المباحات  إذغ قصد بها التقوي على طاعة الله وعبادته ،أو التوصل إليها ،كالأكل والنوم واكتساب  المال وغير ذلك ، وكذلك النكاح والوطء إذا قصد به إقامة السنة أو إعفاف نفسه أو تحصيل الولد الصالح وتكثير الأمة .ويندرج في ذلك مالا يحصى من المسائل .ومما تدخل فيه النية من العقود ونحوها :كنايات البيع ،والهبة ،  والوقف والقرض ، والضمان ،والحوالة، والإقالة ، والوكالة والإقرار،والإجارة ،والوصية والعتق ،والطلاق،والخلع ،والرجعة ،والإيلاء ،والظهار ،والأيمان،والقذف ،والأمان .( 6)
------------------------------------------------------
(1)البخاري رقم (1)
(2)البخاري رقم (56)ومسلم رقم(1628)
(3) البخاري رقم (2783)ومسلم (1353)
(4) الأشباه والنظائر للسيوطي ص23
(5)المعجم الكبير رقم (5942)                                
(6)الأشباه والنظائر للسيوطي بتصرف ص26
                  
قال السيوطي في الأشباه والنظائر مانصه إن المؤمن  يخلد في الجنة:وإن أطاع الله مدة حياته فقط ، لأن نيته أنه لوبقي أ بد الآباد لاستمر على الإيمان ،فجوزي على ذلك بالخلود في الجنة .كما أن الكافر يخلد في النار ،وإن لم يعص الله إلا مدة حياته فقط ، لأن نيته الكفر ما عاش (1)
ثامناً : فيما شرعت النية لأجله :
المقصود الأهم منها : تمييز العبادات من العادات ،وتمييز رتب العبادات بعضها من بعض . كالوضوء والغسل : يتردد بين التنظيف والتبرد والعبادة .والإمساك عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوي،أو لعدم الحاجة  إليه .والجلوس في المسجد.: قد يكون للاستراحة .ودفع المال للغير : قد يكون هبة أو وصلة لغير لغرض دنيوي ،وقد يكون للتقرب بإراقة  الدماء .
وأخيراً النية قصد الشيء ومحلها القلب ، وهي واجبة في الطهارة في الوضوء، والغسل ، والتيمم عند كافة العلماء ،فلا تصح طهارة إلا بنية .لقوله-صلى الله عليه وسلم- (إنما الأعمال بالنيات ..) سبق تخريجه والنية واجبة عند جمهور العلماء  هذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
--------------------------------------------------------------
المصادر ومراج البحث
1-المصباح المنير للفيومي دار القلم
2-رحمة الأمة في اختلاف الأئمة
5-صحيح مسلم
6-الأشباه والنظائر للسيوطي

ليست هناك تعليقات: