الجمعة، 4 فبراير 2011

الثبوت في القنوت تأليف جلال الدين السيوطي رحمه الله المتوفى سنة911هـ تحقيق الدكتور محمد سرحان التمر الأستاذ المشارك في جامعة ذمار


 بسم الله الرحمن الرحيم
                                                                                                                           
 وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله([1]) وصحبه وسلم رب يسر يا كريم الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى،ورد علي سؤال في قوله - صلى الله عليه وسلم- في دعاء القنوت([2])  (ولا يعز من عاديت)([3]) ،وذكر السائل أنه قرأ بكسر العين فرد عليه رجل وقال : إنما هو يعز بضم العين من نصر ينصر و ذكر أنه قال: إن يعز بالكسر إنما هو مضارع عز بمعنى قل وأما عز من العز الذي هو ضد الذل فإن مضارعه بالضم هذا ما ذكره السائل.
وأقول: إن ضبط هذا اللفظ من مهمات الدين من وجوه :

أحدها: أنه لفظ ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وضبط الألفاظ الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم – من أهم الواجبات ،وأكد المهمات ،كما نص عليه أئمة الحديث في كتبهم لئلا يدخل من رواه على الخلل في قوله – صلى الله عليه وسلم-
( من تقول علي مالم أقل فليتبوأ مقعده من النار ) ([4]) .
وقال الحافظ زين الدين العراقي([5]) في الفتية :
وليحذر اللحان والمصحفا.....على حديثه بأن يحرفا
فيدخلا في قوله من كذبا  .....فحق النحو على من طلبا
 الثاني : أنه ذكر من الأذكار , وألفاظ الأذكار متعبد بها ([6])فإذا حرفت عن الوارد فيها لم يحصل بقولها الثواب المترتب عليها .
الثالث: أنه من أكد أذكار الصلاة فيتأكد فيه الضبط لأن التحريف واللحن في الأذكار من أقبح الأشياء، وضبطها وتصحيحها وإعرابها من أحسن الأمور وقد ورد في بعض الآثار الموقوفة([7]) :(أن الله لا يقبل دعاء ملحوناً)([8]) ولا شك أن التحريف أسوأ حالا من اللحن بكثير ، لأنه يُخل بالمعنى ،ويخرج اللفظ عن موضوعه ، فمن تحرى ضبط اللفظ على ما ورد فقد دخل في حديث (من أحسن صلاته وصله الثواب الموعود به فيه )([9]). ومن قصر في ضبطه وحرفه لم يدخل فيه فحق على كل مصل المحافظة على ضبط الألفاظ الواردة في الصلاة فيكون محسناً لها ما أمكنه وهو أكد من الاشتغال في كثير من المعقولات.
لأنه عبادة، ويترتب عليه جزيل الأجر والثواب والساعي في ذلك معين على الخير ، حقيق بالأجر الجزيل ، لأن( الدال على الخير  كفاعله)([10])، خصوصاً وهو سعيٌ في ضبط  لفظ النبوة (وصيانته عن التحريف وفي ذلك من الثواب ما لا يخفى.
وأقول: لا خلاف بين العلماء من أهل الحديث واللغة أن يعز من العز المقابل للذل بكسر العين في المضارع قال ابن الأثير([11]) في كتاب النهاية في غريب الحديث العزيز في أسماء الله تعالى هو الغالب القوي الذي لا يغلب يقال عز يعز بالكسر إذا صار عزيزا وعز يعَز بالفتح إذا اشتد وشق يقال عز علي يعز أي أراك بحال سيئة . أي :يشتد ويشق علي وذكر الراغب ([12]) في مفردات القرآن نحوه، وذكر الهروي([13]) في الغريبين نحوه. وقال النووي([14]): في تهذيب الأسماء واللغات قال العزيز من عز الشيء يعز بالكسر إذا قل وعز الرجل عزا وعزة إذا قوي بعد ذله ويقال عز يعز بالفتح على ما أصاب فلان أي :أشتد عز فلانا يعزة بالضم عزا إذال غلبة قال الله تعالى:(وعزني في الخطاب))([15])
وقال الغزالي([16])في ديوان الأدب: أبواب المضاعف باب فعل يفعل بفتح العين من الماضي  وكسرها من المضارع  وأورد فيه أفعالا كثيرتا إلى أن قال عزة أي غلبة. ثم قال : باب فعل يفعل بفتح العين من الماضي وكسرها من المستقبل وأورد فيه أفعالا كثيرتا إلى أن قال: وعز من العزة نقيض الذلة وأصلها من الشدة. وقال الزمخشريُ([17]) في كتاب الأفعال باب فعل يفعل بال كسر من المضارعة ثم أورد فيه صحّ يصحُّ وصح يصحُ وفر يفر وضل يضل وأشياء كثيرة.
إلى أن قال : عز يعز إذا صار عزيزاً أوعز الشيء يعز عزتا إذا قل وقال أبو بكر ابن القوطية([18]) في كتاب الأفعال عز يعز بالكسر عزة وعزا إذا صار عزيزا وعز الشيء عزا وعزازة تعزز والشيء العظيم والرجل  عز كرم وعززت الرجل أعزة بالضم عزاً غلبته وأيضاً أعنته و الحاصل أ، عزة له معان فبعضها بكسر العين في المضارع وبعضها بالفتح وبعضها بالضم وقد نضمت في ذلك أبياتا فقلت :
ياقاريا كتب الآداب كن فطنا  ............... وحرر الفرق في الأفعال تحريرا
عز المضاعف يأتي في مضارعة .............. تثليث عين بفرق جاء مشهورا
فما قل وضد الذل مع عظم .............. كذا أكرمت علينا جاء مكسورا
وما تعز علينا الحال أي صعبت......... ففتح مضارعة أن كنت نحريرا
وهذه الخمسة الأفعال لازمة............. واضمم مضارع فعل ليس مقصورا
عززة زيدا بمعنى قد غلبة كذا........... أعنته فكلا ذا جا مانورا
وقل إذا كنت في ذكر القنوت ولا.......يعز يارب من عاديت مكسورا
وأشكر لأهل علوم الشرح إن شرحوا....لك الصواب وأبدو فيه تذكيرا


[1] . آل النبي صلى الله عليه وسلم :هم آل علي ، وآل العباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل ،وآل الحارث بن عبد المطلب، وآل أبي لهب .
فإن عبد مناف فهو الأب الرابع للنبي –صلى الله عليه وسلم- أعقب أربعة ، وهم هاشم والمطلب ،ونوفل، وعبد شمس .
ثم إن هاشما أعقب أربعة ، أنقطع نسبهم إلا عبد المطلب ، فإنه أعقب اثني عشر .الموسوعة الفقهية الكويتية 1/100
-آل محمد الذين لهم أحكام خاصة : هم آل علي ، وآل العباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل ،وآل الحارث بن عبد المطلب ومواليهم ، خلافا لابن القاسم من المالكية ومعه أكثر العلماء حيث لم يعدوا الموالي من الآل .
أما أزواجه – صلى الله عليه وسلم – فذكر أبو الحسن ابن بطال في شرح البخاري ، أن الفقهاء كافه اتفقوا على أن أزواجه - عليه الصلاة والسلام  ، لكن في المغني عن عائشة – رضي الله عنها- مايخالف ذلك .
قال: روى الخلال بإسناده عن ابن مليكه أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة – رضي الله عنها – سفرة من الصدقة ، فردتها ، وقالت : إن آل محمد لاتحل لنا الصدقة .
وقال صاحب المغني : وهذا يدل على أنهن من أهل بيته في تحريم الزكاة .
قال تقي الدين : أنه حرم عليهن الصدقة وأنهن من أهل بيته في أصح الروايتين .
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وإسناده حسن ، وأخرجه ابن أبي شيبة ( فتح الباري مجلد 3 /277
ولا يجوز دفع الزكاة المفروضة لآل محمد باتفاق الذاهب الأربعة لحديث( إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا محمد ) صحيح مسلم 7 /177 المطبعة العصرية

.  القنوت : القنوت : يطلق القنوت في اللغة على معان عدة ، منها :-2
-الطاعة :ومن ذلك قوله تعالى :( له مافي السموات والأرض كل له قانتون ) البقرة 116
- والصلاة ومن ذلك قوله تعالى: (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين )آل عمران 43
- وطول القيام : ومن ذلك قولة- صلى الله عليه وسلم – (أفضل الصلاة طول القيام )أخرجه مسلم 1/520 من حديث جابر بن عبد الله.
- وسئل ابن عمر – رضي الله عنهما – عن القنوت ، فقال : ماأعرف القنوت إلا طول القيام ، ثم قرأ قوله تعالى : ( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماًُ )الزمر 9
- والسكوت : حيث و رد عن زيد بن أرقم – رضي الله عنه- قال :كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت (وقوموا لله  قانتين ) البقرة    238
فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام .
- والدعاء : وهو أشهرها ، قال الزجاج : المشهور في اللغة أن القنوت الدعاء ، وأن القانت الداعي ، وحكى النووي أن القنوت يطلق على الدعاء بخير وشر ، يقال : قنت له وقنت عليه . الموسوعة الفقهية 34/57
وفي الاصطلاح :قال ابن علان : القنوت عند أهل الشرع اسم للدعاء في الصلاة في محل مخصوص من القيام . المصدر السابق 34/57

[3] . صححه الألباني في صحيح أبي داوود وفي أرواء الغليل 2/170.
[4] . وتمامه حديث عبد الله بن يزيد قال حدثني سعيد بن أبى أيوب قال حدثني بكر بن عمرو عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبى هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم : ((من تقول على ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ومن أفتى فتيا بغير ثبت فإثمه على من أفتاه))
قال الشيخ الألباني : صحيح. ينظر كتاب الأدب المفرد 1/100  وحسنة الألباني في صحيح الجامع 2684.
[5] . هو الحافظ زين الدين العراقي: ( 725-806هـ)
عبد الرحيم ابن الحسين بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم ، أبو الفضل العراقي المصري الشافعي . مولده بالقاهرة  في الحادي والعشرين من جمادى سنة خمس وعشرين وسبعمائة  بمنشية  المهراني على شاطيء النيل ، وحفظ القرآن الكريم ، وطلب العلم ، ثم طلب الحديث بنفسه ، فسمع بالقاهرة على أبي علي عبد الرحيم عبد الله بن يوسف الأنصاري الشهير بابن شاهد الجيش ، وعلى أبي الفتح محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان التركماني الأصل  ثم الدمشقي./ينظر الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب: شمس الدين أبوعبدلله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.1/108

[6] . الأمر المتعبد به :التعبد في الأحكام الشرعية التي لا تظهر للعباد في تشريعاتها حكمة غير مجرد التعبد ، أي : التكليف بها ، لاختبار عبودية العبد ، فمن أطاع أثيب ، وإن عصى عوقب .الموسوعة الفقهية الكويتية 12/201
[7] . :الموقوف لغة:اسم مفعول من الوقف . كأن الراوي وقف بالحديث عند الصحابي ولم يتابع سرد باقي سلسلة الإسناد.
وإصطلاحاً: ما أضيف إلى الصحابي  من قول أو فعل أو تقرير. التقريرات السنية شرح المنظوم البيقونية في مصطلح الحديث حسن محمد المشاط تحقيق وتعليق فواز أحمد زمرلي.مكتبة الإرشاد الجمهورية اليمنية ميدان التحرير ص48.
[8] . لاأصل له انظر المصنوع في معرفة الحديث الموضوع علي بن سلطان الهروي، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبوغدة مكتب المطبوعات الإسلامية ص62.
[9] واللفظ الورد عن أبي الاحوص، عن عبد الله، عن رسول الله قال(من احسن صلاته حيث يراه الناس واسائها اذا خلا فإنما ذلك استهانت يستهين بتا ربه)) 9/206 المطالب العالبة لابن حجر.

[10] وفي لفظ (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)رواه مسلم مجلد /3/1506 وقال الترميذي حسن صحيح
[11] لأبن الأثير: هو القاضي الرئيس العلامة البارع الأوحد البليغ مجد الدين أبو لسعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن
ونشأ بتا ، ثم تحول إلى الموصل ، وسمع من يحي بن سعد القرطبي ، وخطيب الموصل ، وطائفة . عاش ثلاث وستين سنة ، وتوفي سنة ست وست مائة بالموصل . ينظر سير أعلام النبلاء 21/488

3. الراغب الأصفهاني (000 - 502 ه = 000 - 1108 م) الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الاصبهاني) المعروف بالراغب: أديب، من الحكماء العلماء.
من أهل (أصهبان) سكن بغداد، واشتهر، حتى كان يقرن بالإمام الغزالي.
من كتبه (محاضرات الأدباء - ط) مجلدان، و (الذريعة إلى مكارم الشريعة - ط) و (الأخلاق) ويسمى (أخلاق الراغب) و (جامع التفاسير) كبير، طبعت مقدمته، أخذ عنه البيضاوي في تفسيره، و (المفردات في غريب القرآن - ط) و (حل متشابهات القرآن - خ) و (تفصيل النشأتين - ط) في الحكمة وعلم النفس، و (تحقيق البيان - خ) في اللغة والحكمة، وكتاب في (الاعتقاد - خ) و (أفانين البلاغة). ينظر الأعلام للزركلي 2/255 و معجم المؤلفين رضا كحالة 13/383
[13].الراغب الأصفهاني (000 - 502 ه = 000 - 1108 م) الحسين بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهاني (أو الاصبهاني) المعروف بالراغب: أديب، من الحكماء العلماء.
من أهل (أصهبان) سكن بغداد، واشتهر، حتى كان يقرن بالإمام الغزالي.
من كتبه (محاضرات الأدباء - ط) مجلدان، و (الذريعة إلى مكارم الشريعة - ط) و (الأخلاق) ويسمى (أخلاق الراغب) و (جامع التفاسير) كبير، طبعت مقدمته، أخذ عنه البيضاوي في تفسيره، و (المفردات في غريب القرآن - ط) و (حل متشابهات القرآن - خ) و (تفصيل النشأتين - ط) في الحكمة وعلم النفس، و (تحقيق البيان - خ) في اللغة والحكمة، وكتاب في (الاعتقاد - خ) و (أفانين البلاغة). ينظر الأعلام للزركلي 2/255 و معجم المؤلفين رضا كحالة 13/383

[14] . (631667ه) يحي ابن شرف بن مري بن حسن النووي ابو زكريا مححي الدين من اهل نوا قرى حوران جنوب دمشق علامة بالفقه الشافعي والحديث واللة تعلم في دمشق واقام بتا زمننا. من تصانيفه الموضوع ولم يكمله وروضة الطالبين والمنهاح ابن المسلم .ينظر طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/165 والاعلام للزركلي 9/185

[15]. سورة ص( 23)
[16].محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي الطوسي حجة الإسلام والمسلمين إمام أئمة الدين من لم تر العيون مثله لسانا وبيانا ونطقا وخاطرا وذكاء وطبعا
شدا طرفا في صباه بطوس من الفقه على الإمام أحمد الراذكاني
ثم قدم نيسابور مختلفا إلى درس إمام الحرمين في طائفة من الشبان من طوس
وجد واجتهد حتى تخرج عن مدة قريبة وبذ الأقران
وحمل القرآن وصار أنظر أهل زمانه وواحد أقرانه في أيام إمام الحرمين
وكان الطلبة يستفيدون منه ويدرس لهم ويرشدهم ويجتهد في نفسه
وبلغ الأمر به إلى أن أخذ في التصنيف من مصنفاته (البسيط) و(الوسيط) و(الوجيز) و(الخلاصة) ينظر طبقات الشافعية الكبرى 6/204.
[17]. محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري، جار الله، أبو القاسم: من أئمة العلم بالدين والتفسير واللغة والآداب.
ولد في زمخشر (من قرى خوارزم) وسافر إلى مكة فجاور بها زمنا فلقب بجار الله.
وتنقل في البلدان، ثم عاد إلى الجرجانية (من قرى خوارزم) فتوفى فيها.ومن أشهر مصنفاته (الكشاف في التفسير) الأعلام للزركلي7/178.
[18]. محمد بن عمر بن عبد العزيز بن إبراهيم بن موسى ويقال عيسى بن مزاحم مولى عمر بن عبد العزيز الأموي أبوبكر بن القوطية
قرطبي المظهر الإشبيلي الأصل
والقوطية بضم القاف هي أم إبراهيم بن عيسى واسمها سارة ابنة المقتدر وجدها أحد ملوك القوط
وكان ابن القوطية دينا فاضلا عالما باللغة والنحو مقدم عصره لا يشق غباره
ولا يلحق شأوه وله مؤلفات حسنة منها كتاب تصاريف الأفعال وكتاب المدود والمقصور وغير ذلك
طال عمره وسمع منه الناس طبقة بعد طبقة توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة. ينظر البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة لمحمد بن يعقوب الفيروز أبادي دار النشر / جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت - 1407 الطبعة : الأولى تحقيق : محمد المصري1/68.






ليست هناك تعليقات: